نهض باكرا من نومه كعادته مفعم بالحيوية
والنشاط، يحاول ان يحافظ على ماتبقى له من أمل فى ان يتغلب على مصاعبه ويحيا حياة
عادية كأى شخص طبيعى، تناول قهوته وارتدى حلته الانيقة واصبح فى ابهى صوره، يبدو
لك شخصا كاملا تماما اذا فقط تغاضيت عن رأسه الكبيرة، اجل، راسه الكبيرة،
كان "حليم" يمتلك راس
عملاقة يبلغ حجمها حوالى ثلاثة اضعاف حجم راس الانسان الطبيعى، ماتت والدته اثناء
ولادته بعد ان سببت لها مضاعفات كبيرة، رباه والده الذى احبه كثيرا واعتنى به طوال
حياته الى ان لحق بها هو الآخر منذ ما يقرب عاما، كان والده يبقيه فى المنزل طوال
الوقت تقريبا لايخرجه منه الا اذا اضطر لذلك، حرص على تعليمه بنفسه فى المنزل حتى
حصل الفتى على شهادته الجامعية من خلال الانترنت، ولم يدعه والده يعمل حتى بعد
ذلك، فتكفل بكل مصاريفه وقام بكل شىء بنفسه، لكن الوضع الان قد تغير كثيرا واصبح
على حليم ان يهتم بنفسه ويواجه العالم وحيدا، تناول المفاتيح والهاتف الجوال وخرج
من المنزل متوجها الى مقابلة العمل الجديدة التى تنتظره، كان مقر الشركة يبعد عن
منزله بشارعين فقط فحمد الله على انه لن يضطر لاستقلال حافلة مزدحمة بأناس
مشغولين، منفعلين، على عجلة طوال الوقت، يسبونه لان راسه تزيد اعاقتهم فى وسط
الزحمة، كان تائها شريد الذهن يفكر طوال الوقت فى كل شىء، لقد تقدم الى الكثير من
الوظائف المناسبة والتى يعلم جيدا انه اهل لها، ولكن دائما ما يتم رفضه بسبب حجم
راسه، مرة لان راسه قد تخيف العملاء وتبعدهم عن الشركة، ومرة لان زملاءه الموظفون
قد لايشعرون بالراحة فى التعامل معه، حتى انه ذات مرة كان قد حصل على وظيفة بالفعل
لكن مديره قام بفصله بعد اسبوع من العمل لان الموظفين يتركون اعمالهم كثيرا
ويحدقون فى شكله ويتكلمون عليه مما يعيق سير الانتاج فى الشركة، ربما هذه المرة
سوف يرفضونه لانه صلعة راسه تعكس اضاءة المصابيح على عيون الموظفين فتعميهم، او ان
رئيس العمل يشك فى صلة قرابة بينه وبين "ميجا مايند" الشرير وانه ارسله
ليدمر الشركة ويقضى على الكوكب،
كان يذهب الى المكتبة العامة ليتفحص بعض الكتب فيرى الجميع يحدقون به، بعضهم يتهامس وبعضهم يتغامز وبعضهم يسخر ويهتف "كفاك قراءة، لقد امتلأت رأسك عن اخرها بالمعلومات يا رجل"، لم يكن ليتجرأ ويفكر فى ممارسة بعض الرياضة فى احد النوادى او يحاول الرقص مثلا على انغام بعض الموسيقى ولو وحيدا فى منزله، فربما يراه بعضا من النمل بالصدفة فيترك عمله الجاد وينسى امر مخزونه الشتوى ويقف صفا يحدق برأسه ويتهامس، اخذ يتذكر ويفكر كم كان احمقا عندما كان يغضب من والده لحرصه على بقاءه فى البيت، كان غبيا عندما ظن بانه لن يكترث بكلام الناس عنه او بآراءهم فى شكله، من هذا الى لايكترث بالناس وكلامهم، ربما يخبرك بذلك عالما كبيرا او اديبا عالميا لانه عبقريا يثق فى نفسه ولا يحتاج من الناس شيئا، وحتى اولئك الناس يحتاجون لآراء معجبيهم ومتابعاتهم، فما بالك بشخص عادى مثله، كيف له ان يمضى فى حياته ولا يكترث بكلام الناس عليه وتصنيفهم له وحكمهم الدائم عليه وعلى شكله وتصرفاته، كيف يتخلص من سخريتهم منه، وتعليقهم على كل شىء يفعله، كيف يتخلص من عيونهم التى تلاحقه اينما ذهب، كيف يتخلص من همسات جيرانه عن معاناة والدته من راسه الكبيرة اثناء حملها، او عن والده الذى يدّعون انه متحكم مسيطر اجبره على قضاء عمره كله مختبئاً، كيف يتغاضى عن احاديثهم وخوضهم فى اعراض عائلته بالباطل وادعائهم ان والدته كانت تتناول المخدرات والعقاقير وهى تحمله فى بطنها، او انه "غضب من الله" عليها بسبب خيانتها لوالده، او ان والده كان يقوم بضربها والاعتداء عليها اثناء حملها، ظلت جميع هذه الافكار تتردد فى راسه وهو فى طريقه وظل يردد فى نفسه ويتساءل "يا الله، لم خلقتنى فى هذا العالم الاحمق الملىء بالتفاهات؟!".
كان يذهب الى المكتبة العامة ليتفحص بعض الكتب فيرى الجميع يحدقون به، بعضهم يتهامس وبعضهم يتغامز وبعضهم يسخر ويهتف "كفاك قراءة، لقد امتلأت رأسك عن اخرها بالمعلومات يا رجل"، لم يكن ليتجرأ ويفكر فى ممارسة بعض الرياضة فى احد النوادى او يحاول الرقص مثلا على انغام بعض الموسيقى ولو وحيدا فى منزله، فربما يراه بعضا من النمل بالصدفة فيترك عمله الجاد وينسى امر مخزونه الشتوى ويقف صفا يحدق برأسه ويتهامس، اخذ يتذكر ويفكر كم كان احمقا عندما كان يغضب من والده لحرصه على بقاءه فى البيت، كان غبيا عندما ظن بانه لن يكترث بكلام الناس عنه او بآراءهم فى شكله، من هذا الى لايكترث بالناس وكلامهم، ربما يخبرك بذلك عالما كبيرا او اديبا عالميا لانه عبقريا يثق فى نفسه ولا يحتاج من الناس شيئا، وحتى اولئك الناس يحتاجون لآراء معجبيهم ومتابعاتهم، فما بالك بشخص عادى مثله، كيف له ان يمضى فى حياته ولا يكترث بكلام الناس عليه وتصنيفهم له وحكمهم الدائم عليه وعلى شكله وتصرفاته، كيف يتخلص من سخريتهم منه، وتعليقهم على كل شىء يفعله، كيف يتخلص من عيونهم التى تلاحقه اينما ذهب، كيف يتخلص من همسات جيرانه عن معاناة والدته من راسه الكبيرة اثناء حملها، او عن والده الذى يدّعون انه متحكم مسيطر اجبره على قضاء عمره كله مختبئاً، كيف يتغاضى عن احاديثهم وخوضهم فى اعراض عائلته بالباطل وادعائهم ان والدته كانت تتناول المخدرات والعقاقير وهى تحمله فى بطنها، او انه "غضب من الله" عليها بسبب خيانتها لوالده، او ان والده كان يقوم بضربها والاعتداء عليها اثناء حملها، ظلت جميع هذه الافكار تتردد فى راسه وهو فى طريقه وظل يردد فى نفسه ويتساءل "يا الله، لم خلقتنى فى هذا العالم الاحمق الملىء بالتفاهات؟!".
حاول ان يطرد تلك الافكار البائسة
من رأسه وبدأ ينظر الى الشارع، المحال والمقاهى والناس، كان يحلم ان يأتى يوما
يشارك فيه بعض اصدقاءه فى جلسة كهذه ، او يدخل مع حبيبته متجر كهذا، او ربما يشاهد
معها فيلما فى تلك السينما،
فجأة اصطدم به وهو يمشى على
الرصيف طفل صغير كان يلهو مع اصدقاءه بشكل ما، فنظر الطفل اليه وتراجع فى توجس،
فشعر حليم بالحرج لانه اخاف الطفل الصغير ولم يدرى ماذا يقول، فصاح الطفل فى بلاهة
وسخرية "ياللهول، لقد هبطت الكائنات الفضائية على كوكب الارض" قالها
الطفل واخذ يتراجع وينظر اليه ويضحك، اسرع حليم يجرى ناحية الطفل بعد ان لاحظ
انحراف الطفل عن الرصيف ووقوفه فى مواجهة سيارة قادمة بسرعة كبيرة نحوه، فظن
الصغير ان حليم يود ان يمسك به لينتقم منه جراء سخريته، فاسرع مبتعدا باتجاه
السيارة دون ان يدرى، لكن حليم اسرع ولحق به وابعده فى الوقت المناسب،
اصطدمت السيارة بحليم الذى لم
يستطع ان يبعد نفسه عن السيارة فطار جسده للامام بقوة شديدة ووقع على الارض وسالت
الدماء من راسه الكبيرة المتهشمة وهرع الناس يتجمعون حوله ويحدقون به، بعضهم يصرخ،
بعضهم يبكى، وبعضهم فقط يحدق، لم يكن يسمع اى شىء مما يقولون، ولم يكن يشعر بأية
آلام، فقط شعر برغبة شديدة فى ان يصيح فيهم ويقول "فيم تحدقون ايها البلهاء،
ابتعدوا عنى!" لكن روحه كانت قد فارقت جسده قبل ان يفعل
كانت حادثة مأساوية انتشرت
اخبارها فى كل مكان، وكتبت عنها الكثير من الصحف والجرائد أخبارا رئيسية ووضعتها
فى الصفحات الاولى تحت عنوان "شاحنة تصطدم برجل ذو رأسا عملاقة وتقتله"
.